هــــارون الرشــــــــــــيد
هــــارون الرشــــــــــــيد
148ــ193هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. عبد الرحمن دركزللي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ــ عصــــــره
· يعد عصر الرشيد ــ بإجماع المؤرخين ــ العصر الذهبي للدولة الإســـلامية
إذ بلغت فيه الدولة أوج حضارتها ، وغاية اتسـاعها ، وأقصى قوتها ، حتى
إن بغداد في عصره غدت حاضرة الدنيـــــــــــــا لكثرة قصورها وأسواقها ومساجدها .
· يقول أحد المؤرخين : " كانت أيام الرشـــــــيد كلها خير ، كأنها من حسنها أعراس " .
2 ــ شخصيته
· هارون الرشيد هو الخليفة العباسي الخامس .
· عاش في القرن الهجري الثاني ، توفي وعمره خمس وأربعون سنة .
· أما أبوه فهو المهدي ، وأما أمه فهي الخيزران ( من سبي خرشنة ) .
· تزوج الرشيدة عدة نساء ، ومن أبرزهن :
ــ زبيـــدة ( عربيـة ) أنجب منها الأميـــن .
ــ مراجل ( فارسية ) أنجب منها المأمـون .
ــ مـاردة ( تركيــة ) أنجب منها المعتصم.
· تولى الخلافة مدة ثلاث وعشــــــــــــــرين سنة ، وكان أخوه الهادي يحاول أن يحرمه منها ، ولكن يحيى البرمكي ثناه عن ذلك .
· أما من حيث الصورة فقد كان الرشيد طويلا ، أبيض اللون ، ضخم الجســم
· كان يتمتع بكثير من الخلال الحميدة والسجايا النادرة كالشجاعة والكرم والتقوى والورع وحب العلم والتواضع ومجالسة الصالحين .
نشاطه السياسي
· قضى الرشيد على ثورة الخوارج الذين تمردوا على الخلافة بزعامة الوليــد ابن طريف الشاري في الجزيرة العليا ، وكانوا قد عبروا دجلة ووصـلوا إلى العراق ، لكن الرشيد مزق شملهم وهزمهم و قتل زعيمهم ، والشــــاري هذا هوالقائل : أن الوليد بن طريف الشــــاري قسورة لا يصطلى بنــاري
جوركم أخرجني من داري
· قضى على ثورة الديلم التي قادها يحيى بن عبد الله العلـوي ، وقد اســــتخدم معهم اللين أحيانا والعنف أحيانا حتى قضى عليهم .
· قضى على ثورة خراسان ، وكانوا أهلها قد ثاروا على واليهم ( ابن ماهان ) الذي عينه الرشيد عليهم ، فظلمهم و نهب أموالـــهم ، وحاول خداع الرشيد
بالهدايا ، لكن الرشيد علم بأمره فعزله ، وبذلك أطفأ نار ثورة دامية .
· أخمد الرشيد النزاع الذي نشب بين القيســــــــية واليمانية ، وهذا النزاع كان العباسيون قد أججوه في الشام ليشغلوا أهلها عن الثورة ضدهم ، خصوصـا
بعد أن نقموا عليهم إثر نقلهم الخلافة من دمشق إلى بغداد . وقد رأى الرشيد
أنه من الحكمة تقوية أهل الشـــــــــــام بدلا من إضعافهم ، لأن في إضعافهـم
تمكينا للروم من مهاجمة أطراف الشــام .
· واستطاع الرشيد أن يفرض الجزية على الروم ، ذلك أنه كان ــ في عهد أبيه
المهدي ــ قد غزا بلاد الروم ، و وصل حدود القســـطنطينية ، ولم يرجع إلا بعد أن طلبت منه الإمبرطورة إيريني الهدنة وقبلت بدفع الجزيـــة . على أن
نقفور الذي تولى بعدها امتنع عن دفع الجزيـــــــة إلى المسلمين ، وكتب إلى الرشيد رســـــــالة ، يقول له فيها : " من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب ، أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ من البيــــدق ، وحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثـــاله إليها ، ولــكن ذلك من ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصـل قبلك من أموالها وإلا فالسيف بيني وبينك " وعندما قرأ الرشيد الرسالة كتب له على ظهرها
من فوره مايلي : " من هارون الرشـــــــيد إلى نقفور كلب الروم : قد قرأت كتابك والجواب ما تراه لا ما تســمعه ، والسلام " . ثم إن الرشيد خرج على الفور لقتاله ، واستولى على هرقلية ثم دنا من عاصمته ، فاضطر نقفور إلى الإذعان ودفع الجزية .
· و من نشاطاته السياسية أيضا أنه قضى على ثورة الأدارســـة في مراكش .
· ونكب البرامكة في سنة 187 هـ بعد أن اعتمد عليهم مدة 17 سنة .
· وأقام الرشيد مع شـــــــــــــارلمان ملك الفرنجة علاقات طيبة تقوم على الود والاحترام وتبادلا الهدايـا .
نشاطه الاقتصـــادي
بالرغم من كثرة الأحداث السياسية في عهده ، اهتم الرشيد بالشؤون الاقتصادية
للبلاد :
· فقد حاول شق ترعة تصل بين البحر الأبيض والبحـــر الأحمر ، لكنه عدل عن مشروعه خوفا من أن يقوم الروم باستغلالها للوصول بســـــــفنهم إلى الأراضي المقدسة ، وقد نصحه بالعدول عن شقها يحيى البرمكي .
· عني بالزراعة ، فأقام السدود ، وبنى القناطر ، وشق الســــواقي .
· اهتم بالعمران ، فبنى المدارس والمشافي والمساجد والمكتبات .
· كما اهتم بالصناعة ، ولا ســــيما صناعة الورق ، إذ كلف وزيــــره الفضل البرمكي سنة 178 هـ بإقامة أول مصـــــــنع للورق في بغداد( زيود 119 ) واهتم أيضا بصناعة الزجاج ، يشـــــــهد على هذا ذلك المصنع الذي عثرت عليه البعثة البريطانية في الرقة ، إذ اكتشـــــــــفت بعد خمسة مواســــــــم للتنقيب واحدا من أعظم مصانع الزجاج في العصور القديمة ، وهو مكون من أربعة أفران على شـــــكل خلايا النحل ، ( وكل فرن منه يحتوي على ثلاث غرف واحدة للوقود ، وثانية لصهر الزجاج ، وثالثة للتبريد البطيء ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جوليان هندرسون ( من جامعة نونتنغهام ) ، راجع مقاله المنشور في كتاب
التعاون السوري البريطاني في مجال الآثار ، عدد 3 ، 4 أيار 1998 ،
مكتبة الأسد ، دمشق .
· واهتم الرشيد بمدينة الرقة اهتماما كبيرا ، يشهد على ذلك أنه اتخذها مصيفا له ، وبنى فيها :
ــ قصرا فخما ما تزال أطلاله قائمة إلى يومنا .
ــ ومسجدا .
ــ وســجنا كبيرا .
ــ و مركزا لإعداد الجيوش ( التي كانت ترسل لقتال الروم ) .
ــ ومصنعا للزجاج ( أشرنا إليه قبل قليل ) .
· وإذا صح الخبر الذي يروى عن هدية الرشيد إلى شــارلمان ملك الفرنجة فإنه يدل على ما بلغه عهد الرشيد من التقدم والرفاهية ، فقد اشتملت الهدية على أقمشـــــــة
حريرية فاخرة / شطرنج / فيل ضخم اسمه : أبو العباس / ساعة دقاقة ( توهموا أن
فيها جنا ) .
نشاطه الثقافي
شهد عصر الرشيد نشاطا ثقافيا متميزا ، ويكفي أن نشير هنا إلى بروز علماء كبار من مثل :
ــ أبي يوسف القاضي ( الذي صنف كتاب " الخراج " ) .
ــ الإمام مالك بن أنس .
ــ الإمام الشــــــافعي .
ــ جابر بن حيان ( عالم الكيمياء الشهير ) .
ــ الخـوارزمي ( عالم الفلك والرياضيات المعروف ) .
ــ الأصمعي ( اللغوي الشهير ) .
ــ الكســــــائي ( العالم بالقراءات والنحــو ) .
ــ ســـيبويه ( النحوي الشهير ، صــاحب " الكتاب " ) . ( راجع فروخ 2/171 )
· يقول الجاحظ : " اجتمع للرشــيد ما لم يجتمع لغيره : فوزراؤه البرامكة ،وقاضيه
أبو يوسف رحمه الله ، و شاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه
العباس بن محمد ( عم أبيه ) ، وحاجبه الفضل بن الربيـــع أنبه
الناس وأعظمهم ، ومغنّيه إبراهيم الموصلي " .
3 ــ القضايا البارزة في حياته
أ ــ نكبــــــــة البرامكة :
· البرامكة أسرة مجوسية تنتمي إلى ( برمك ) سادن النار في مدينة بلخ .
· وأول من أسلم من بني برمك هو ( خالد بن برمك ) الذي أبلى بلاء حسنا في نشر الدعوة العباسية ، وكان من جراء ذلك أن عينه السفاح وزيرا له .
· وفي عهد المهدي ( والد الرشيد ) غدا يحيى البرمكي أســــــتاذا للرشيد ومربيا له.
· ثم إن الهادي ( أخا الرشيد ) فكر بخلع أخيه من ولا ية العهد ليولي ابنه ، ولكن يحيى البرمكي ثناه عن عزمه ، لذلك قلده الرشيد الوزارة ، وأطلق يده قائلا :
" يا أبت .. أنت أجلستني هذا المجلس ببركة رأيك وحسن تدبيرك
وقد قلدتك أمر الرعية ، وأخرجته من عنقي إليــــك ، فاحكم بما
ترى من الصواب ، واستعمل من شئت ، واعزل من رأيت فإني غير ناظر معك في شيء " .
· ولم يكتف الرشيد بذلك بل قرب إليه أبناء يحيى الأربعة ، وهم :
ــ الفضل ( شقيق الرشيد من الرضاعة : أرضعته الخيزران ) .
ــ جعفر ( وكان أكثر إخوته قربا من الرشيد ، فهو حاجبه ونديمه )
ــ موسى ( وكان من أبرز قادته العسكريين ) .
ــ محمــد ( وهذا لا نعرف عنه شيئا ) .
· والشيء الذي يذكر هنا أن البرامكة في عهد الرشــــــــــيد تقلدوا أعلى المناصب ، وحصلواعلى أسنى المراتب ، حتى إن الناس أخذوا يقصـــــــدونهم لحل مشكلاتهم
كما كان الشعراء يمدحـــونهم لينالوا عطاءهم ، وبلغ الأمر بجعفر البرمكي أن كان
مديرا لقصر الرشيد ، وكان يشــــــركه في النظر في المظالم ، وكان حامل أختامه
ومديرا لدار الضرب ولديوان البريد ، وكان الرشـــــــــيد لا ينقض له أمرا أبرمه .
وقد نعم البرامكة بهذا قرابة 17 سنة ( من سنة 170 ـــ 187 هــ ) .
· ثم إن الرشيد غضب عليهم ، فاعتقلهم ، ومزق شملهم ، وأباد غضراءهم ، وصادر أملاكهم وأموالهم ، وطاردهم حتى استأصل شأفتهم .
· أما سبب غضب الرشيد عليهم ففيه خلاف :
(1) فبعض المؤرخين يرى أن السبب اقتصادي ، ذلك أن البرامــكة بنوا
القصور ، وامتلكوا الضياع ، وتقلبوا في النعيم ، وصاروا يتحكمون
في شؤون الدولة ، حتى إن الخليفة نفس أخذ يحسدهم على ما هم فيه
(2) وبعضهم يرى أن السبب هو إقدام جعفر البرمكي على الزواج ســرا
بأخت الرشيد : ( العباسة / ميمونة ) .
(3) وبعضهم ذهب إلى أن الرشيد خاف من تصاعد نفوذ الفرس بعد أن
كان العرب قد أخملوهم .
· أما السبب المباشر لنكبة البرامكة فهو أن جعفرا البرمكي كان قد أطلق سراح
يحيى بن عبد الله العلوي الثائر دون علم الرشيد ، لذلك عمد الرشيد إلى صلبه
على أحد أبواب بغداد كي يكون عبرة ، ولم يكتف بالانتقام من جعفر حتى أمر باعتقال أبيه ( يحيى) وأخويه ( الفضل + موسى ) ، أما أخوه الثالث (محمد)
فقد ظل حرا طليقا لعدم ثبوت تهمة عليه .
ب ــ قضية الخلافــة
كان الرشيد يخشى أن يثور خلاف ــ بعد وفاته ــ على الخلافة بين أبنائه ، لذلك كتب وصية جاء فيها أن الخلافة من بعده لابنه الأمين ثم لابنه المأمون ، ثم لابنه المؤتمن ، وكتب بذلك عهدا
أشهد عليه كبار بني هاشم والقضاة والفقهاء ، وأودعه الكعبة ، وفي نهاية عهده عندما مرض ب ( طوس ) جمع أقرباءه وأهله ، وأوصاهم باجتماع الكلمة ، وقال لهم : " انظروا محمــدا الأمين
وعبد الله المأمون ، فمن بغى منهما على صاحبه فردوه عن بغيه ، وقبـّحـوا له بغيه ونكثـه " .
جـ ــ أخلاقيات الرشيـد
هنالك تناقض شديد في الأخبار المتعلقة بالرشيد ، ففي كتب من طراز " البداية والنهايـــة " لابن كثير أو " مروج الذهب " للمسعودي أو " العقد الفريد " لابن عبد ربه أو " تاريخ الخلفاء " للسيوطي نجد صورة رائعة للرشيد ، فهو رصـــين تقي ورع .. على حيــــن نجد في كتب من طراز " الأغاني " للأصفهــــاني أو كتاب " ألف ليلة وليلة " صــــــــورة مختلفة كل الاختلاف فالرشيد يبدو زير نساء مدمن خمر ... وقد شعر ابن خلدون بمثل هذا التناقض ، فقال :
" و من الحكايات المدخولة للمؤرخين ما ينقلونه في سـبب
نكبة الرشيد للبرامكة من قصة العباسة أخته مع جعفر بن
يحيى بن خالد مولاه وأنه لكلفه بمكانهما من معاقــــــرته
إياهما الخمـــر أذن لهما في عقد النــكــاح ( دون الخلوة )
حرصا على اجتماعهما في مجلســــه ، وأن العباســــــــة
تحيلت عليه في التماس الخلوة به لما شـــــــغفها من حبـه
حتى واقعها ، زعموا في حالة ســــــــــــكر ، فحملت ..
وهيهات ذلك من منصب العباســــــــــة في دينها وأبويــها
وجلالها ابنة خليفة ، أخت خليفة محفوفـــة بالملك العزيــز
والخلافة النبوية " [ المقدمة 119 ]
حتى إن ابن خلدون يرفض فكرة أن الرشــــــــــيد كان يشرب الخمرة المصنوعة من العنب :
" كان الرشيد يشرب نبيذ التمر على مذهب أهل العـــراق
وفتاويهم فيها معروفة ، وأما الخمر الصرف فلا ســــبيل
إلى اتهامه بها ، فلم يكن الرجل يواقع محرّما ولا كان من
أهل الكبائر عند أهل الملة " [ المقدمة 235 ]
و نحن نرى ــ مع ابن خلدون ــ أن رجلا يحج عاما ويغزو عاما ، ويحدّث عن رسول الله (ص)
ويتصدّق كل يوم بألف درهم من حر ماله ، ويصلّي كل يوم مئة ركعة ، ويجالس الزهـــــــاد من طراز الفضيل بن عياض ، ويبكي إذا ســــــــمع المواعظ ، ويحفر قبره قبل الموت .. لا يعقل أن يكون إلا مثلا في الأخلاق والشرف ، وصدق من قال فيه :
فمن يطلب لقــاءك أو يـرده فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمرّ و في زمن الترفّه فوق كـور
نصوص تتعلق بالرشيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· زبيدة تعاتب زوجها الرشيد على سماحه لجعفر البرمكي بالاجتماع بالعباسة :
" دخل الرشيدعلى زبيدة ، فقال : أرأيت ما عاملني به جعفر وما ارتكبه من هتك
ســـــتري وتنكيس رأسي ، وفضحي بين العرب والعجم ؟ فقالت له معاتبة : هذه
شهوتك وإرادتك ، عمدت إلى شاب جميل الوجه ، حسن الثياب ، طيب الرائـــحة
جبار في نفسه ... أدخلته على ابنة خليفة من خلفاء الله ، وهي أحسن منه وجــــها
وأنظف منه ثوبا ، وأطيب منه رائحة ، لكنها لم تر رجلا قط غيره ؟!.. فهذا جزاء
من جمع بين النار والحطب " .
· رسـألة يحيى البرمكي من السجن إلى الرشـــيد :
" بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى أمير المؤمنين ونسل المهديين وإمام المسلمين
وخليفة رسول الله ، من عبد أسلمته ذنوبه ، وأثقلته عيوبه ، وخذله شقيقه ، ورفضه
صديقه ، وخانه الزمان ، وأناخ عليه الخذلان ، ونزل به الحدثان ، فصار إلى الضيق بعد السعة ، وعالج الموت بعد الدعة ، وشرب كأس الموت مترعة ، وافترش السخط بعد الرضا ، واكتحل السهد بعد الكرى ، فنهاره فكر ، ونومه سهر ، وساعته شهر ، وليلته دهر ، وقد عاين الموت مرارا ، وشارف الهلاك جهارا .....
فاذكر يا أمير المؤمنين خدمتي ، وارحم ضعفي و وهن قوتي ، و هب لي رضاك ، فمن مثلي الزلل ، و من مثلك الإقالة ، ولست أعتذر ، ولكني أقـرّ ، وقد رجوت أن أفوز برضاك ؛ فتقبّل عذري وصدق نيتي و ظاهر طاعتي
قل للخليفة ذي الصـــنا ئع والعطايــــا الفاشية
وابن الخلائف من قريـ ش والملوك العـاليـــة
إن البرامكة الذيــــــــــ ـن رموا لديك بداهيــة
عمتهم لك ســــــــخطة لم تبــــــق منهم باقيــة
فكأنــــــهم ممــا بهـــم أعجـاز نخــل خـاوية
صفر الوجوه عليهــــم خلع المذلّـــة باديـــــة
بعد الإمـــارة والــــوزا رة والأمــور السامية
أضــحوا وجلّ منـــاهم منك الرضـا والعافية
يا من يريــد لي الردى يكفيك ، ويحك،ما بيه
يكفيــك أني مســــــتبا ح عترتـي ونســائيه
يكفيك ما أبصـــــرتــه ذلي و ذل مكانيــــــه
فلقد رأيت الموت من قبل الممـات علانيــه
من لي وقد غلب الـزما ن على جميع رجاليه
ياعطفة الملك الرضـا عودي علينـا ثانيـــه
فلما وقف الرشيد على الرقعة ، كتب على ظهرهـا هذه الأبيات :
يا آل برمــــــــك إنكــم كنتم ملوكا عاتيــــه
فبغيتم وطغيتــــــــــــم وكفرتــم نعمـائيـــه
هذي عقوبة من عصى من فوقه و عصانيه
ثم أردف الأبيات بقوله :
" بسم الله الرحمن الرحيم : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة
يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ، فكفرت بأنعم الله ، فأذاقها الله لباس
الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " .
أقــوال في الرشــيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· كان يتصدّق من صلب ماله في كل يوم بألف درهم [ البداية والنهاية ـ ابن كثير 9/214]
· كان يصلي في كل يوم مئة ركعة تطوعا إلى أن فارق الدنيا [ البداية والنهاية 9/214]
· إذا سمع موعظة بكى حتى يبل الثرى [ البداية والتهاية 9/215]
· روى الحديث عن أبيه وجده " اتقوا النار ولوبشق تمرة " [ البداية والنهاية 9/213]
· كان يحج سنة ويغزو سنة ، يحج ماشيا من شدة تقاه [ السيوطي ـ تاريخ الخلفاء 286 ]
· إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم [ البداية والنهاية 9/ 214 ]
· قال الفضيل بن عياض " ليس موت أحد أعـــز علينا من
موت الرشـيد وإني لأدعو اللــه
أن يزيد في عمره من عمــري" [ البداية والنهاية 9/221 ]
· كان في دار الرشيد من الجواري والحظايا .. أربعة آلاف [ البداية والنهاية 9/220]
· قال الرشيد لأبي العتاهية عظني بأبيات من الشعر وأوجز ، فقال :
لا تأمن الموت في طرف ولا نفـس
ولو تمتعت بالحجاب والحــرس
واعلم بأن سهام الموت صائبـــة
لكــل مدّرع منا ومتّــــــرس
ترجو النجــاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تمشي على اليبس
ــ فخر الرشيد مغشـيا عليه .
· كان الرشيد قد أمر بحفر قبره قبل موته في الدار التي كان فيها ، فلما دنت وفاته حمل على محفة
إلى القبر، فرأى التراب ثم قال : إلى هذا تصير يابن آدم [ البداية والنهاية 9/213 ]
· كنت يوما عند الرشيد ، فدعا طباخه فقال : أعندك في الطعام لحم جزور (جمل) ؟ قال نعم......... [البدايةوالنهاية9/316 ] هلكت والله يا هارون ولم يزل يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهـر
148ــ193هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. عبد الرحمن دركزللي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ــ عصــــــره
· يعد عصر الرشيد ــ بإجماع المؤرخين ــ العصر الذهبي للدولة الإســـلامية
إذ بلغت فيه الدولة أوج حضارتها ، وغاية اتسـاعها ، وأقصى قوتها ، حتى
إن بغداد في عصره غدت حاضرة الدنيـــــــــــــا لكثرة قصورها وأسواقها ومساجدها .
· يقول أحد المؤرخين : " كانت أيام الرشـــــــيد كلها خير ، كأنها من حسنها أعراس " .
2 ــ شخصيته
· هارون الرشيد هو الخليفة العباسي الخامس .
· عاش في القرن الهجري الثاني ، توفي وعمره خمس وأربعون سنة .
· أما أبوه فهو المهدي ، وأما أمه فهي الخيزران ( من سبي خرشنة ) .
· تزوج الرشيدة عدة نساء ، ومن أبرزهن :
ــ زبيـــدة ( عربيـة ) أنجب منها الأميـــن .
ــ مراجل ( فارسية ) أنجب منها المأمـون .
ــ مـاردة ( تركيــة ) أنجب منها المعتصم.
· تولى الخلافة مدة ثلاث وعشــــــــــــــرين سنة ، وكان أخوه الهادي يحاول أن يحرمه منها ، ولكن يحيى البرمكي ثناه عن ذلك .
· أما من حيث الصورة فقد كان الرشيد طويلا ، أبيض اللون ، ضخم الجســم
· كان يتمتع بكثير من الخلال الحميدة والسجايا النادرة كالشجاعة والكرم والتقوى والورع وحب العلم والتواضع ومجالسة الصالحين .
نشاطه السياسي
· قضى الرشيد على ثورة الخوارج الذين تمردوا على الخلافة بزعامة الوليــد ابن طريف الشاري في الجزيرة العليا ، وكانوا قد عبروا دجلة ووصـلوا إلى العراق ، لكن الرشيد مزق شملهم وهزمهم و قتل زعيمهم ، والشــــاري هذا هوالقائل : أن الوليد بن طريف الشــــاري قسورة لا يصطلى بنــاري
جوركم أخرجني من داري
· قضى على ثورة الديلم التي قادها يحيى بن عبد الله العلـوي ، وقد اســــتخدم معهم اللين أحيانا والعنف أحيانا حتى قضى عليهم .
· قضى على ثورة خراسان ، وكانوا أهلها قد ثاروا على واليهم ( ابن ماهان ) الذي عينه الرشيد عليهم ، فظلمهم و نهب أموالـــهم ، وحاول خداع الرشيد
بالهدايا ، لكن الرشيد علم بأمره فعزله ، وبذلك أطفأ نار ثورة دامية .
· أخمد الرشيد النزاع الذي نشب بين القيســــــــية واليمانية ، وهذا النزاع كان العباسيون قد أججوه في الشام ليشغلوا أهلها عن الثورة ضدهم ، خصوصـا
بعد أن نقموا عليهم إثر نقلهم الخلافة من دمشق إلى بغداد . وقد رأى الرشيد
أنه من الحكمة تقوية أهل الشـــــــــــام بدلا من إضعافهم ، لأن في إضعافهـم
تمكينا للروم من مهاجمة أطراف الشــام .
· واستطاع الرشيد أن يفرض الجزية على الروم ، ذلك أنه كان ــ في عهد أبيه
المهدي ــ قد غزا بلاد الروم ، و وصل حدود القســـطنطينية ، ولم يرجع إلا بعد أن طلبت منه الإمبرطورة إيريني الهدنة وقبلت بدفع الجزيـــة . على أن
نقفور الذي تولى بعدها امتنع عن دفع الجزيـــــــة إلى المسلمين ، وكتب إلى الرشيد رســـــــالة ، يقول له فيها : " من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب ، أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ من البيــــدق ، وحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثـــاله إليها ، ولــكن ذلك من ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصـل قبلك من أموالها وإلا فالسيف بيني وبينك " وعندما قرأ الرشيد الرسالة كتب له على ظهرها
من فوره مايلي : " من هارون الرشـــــــيد إلى نقفور كلب الروم : قد قرأت كتابك والجواب ما تراه لا ما تســمعه ، والسلام " . ثم إن الرشيد خرج على الفور لقتاله ، واستولى على هرقلية ثم دنا من عاصمته ، فاضطر نقفور إلى الإذعان ودفع الجزية .
· و من نشاطاته السياسية أيضا أنه قضى على ثورة الأدارســـة في مراكش .
· ونكب البرامكة في سنة 187 هـ بعد أن اعتمد عليهم مدة 17 سنة .
· وأقام الرشيد مع شـــــــــــــارلمان ملك الفرنجة علاقات طيبة تقوم على الود والاحترام وتبادلا الهدايـا .
نشاطه الاقتصـــادي
بالرغم من كثرة الأحداث السياسية في عهده ، اهتم الرشيد بالشؤون الاقتصادية
للبلاد :
· فقد حاول شق ترعة تصل بين البحر الأبيض والبحـــر الأحمر ، لكنه عدل عن مشروعه خوفا من أن يقوم الروم باستغلالها للوصول بســـــــفنهم إلى الأراضي المقدسة ، وقد نصحه بالعدول عن شقها يحيى البرمكي .
· عني بالزراعة ، فأقام السدود ، وبنى القناطر ، وشق الســــواقي .
· اهتم بالعمران ، فبنى المدارس والمشافي والمساجد والمكتبات .
· كما اهتم بالصناعة ، ولا ســــيما صناعة الورق ، إذ كلف وزيــــره الفضل البرمكي سنة 178 هـ بإقامة أول مصـــــــنع للورق في بغداد( زيود 119 ) واهتم أيضا بصناعة الزجاج ، يشـــــــهد على هذا ذلك المصنع الذي عثرت عليه البعثة البريطانية في الرقة ، إذ اكتشـــــــــفت بعد خمسة مواســــــــم للتنقيب واحدا من أعظم مصانع الزجاج في العصور القديمة ، وهو مكون من أربعة أفران على شـــــكل خلايا النحل ، ( وكل فرن منه يحتوي على ثلاث غرف واحدة للوقود ، وثانية لصهر الزجاج ، وثالثة للتبريد البطيء ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جوليان هندرسون ( من جامعة نونتنغهام ) ، راجع مقاله المنشور في كتاب
التعاون السوري البريطاني في مجال الآثار ، عدد 3 ، 4 أيار 1998 ،
مكتبة الأسد ، دمشق .
· واهتم الرشيد بمدينة الرقة اهتماما كبيرا ، يشهد على ذلك أنه اتخذها مصيفا له ، وبنى فيها :
ــ قصرا فخما ما تزال أطلاله قائمة إلى يومنا .
ــ ومسجدا .
ــ وســجنا كبيرا .
ــ و مركزا لإعداد الجيوش ( التي كانت ترسل لقتال الروم ) .
ــ ومصنعا للزجاج ( أشرنا إليه قبل قليل ) .
· وإذا صح الخبر الذي يروى عن هدية الرشيد إلى شــارلمان ملك الفرنجة فإنه يدل على ما بلغه عهد الرشيد من التقدم والرفاهية ، فقد اشتملت الهدية على أقمشـــــــة
حريرية فاخرة / شطرنج / فيل ضخم اسمه : أبو العباس / ساعة دقاقة ( توهموا أن
فيها جنا ) .
نشاطه الثقافي
شهد عصر الرشيد نشاطا ثقافيا متميزا ، ويكفي أن نشير هنا إلى بروز علماء كبار من مثل :
ــ أبي يوسف القاضي ( الذي صنف كتاب " الخراج " ) .
ــ الإمام مالك بن أنس .
ــ الإمام الشــــــافعي .
ــ جابر بن حيان ( عالم الكيمياء الشهير ) .
ــ الخـوارزمي ( عالم الفلك والرياضيات المعروف ) .
ــ الأصمعي ( اللغوي الشهير ) .
ــ الكســــــائي ( العالم بالقراءات والنحــو ) .
ــ ســـيبويه ( النحوي الشهير ، صــاحب " الكتاب " ) . ( راجع فروخ 2/171 )
· يقول الجاحظ : " اجتمع للرشــيد ما لم يجتمع لغيره : فوزراؤه البرامكة ،وقاضيه
أبو يوسف رحمه الله ، و شاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه
العباس بن محمد ( عم أبيه ) ، وحاجبه الفضل بن الربيـــع أنبه
الناس وأعظمهم ، ومغنّيه إبراهيم الموصلي " .
3 ــ القضايا البارزة في حياته
أ ــ نكبــــــــة البرامكة :
· البرامكة أسرة مجوسية تنتمي إلى ( برمك ) سادن النار في مدينة بلخ .
· وأول من أسلم من بني برمك هو ( خالد بن برمك ) الذي أبلى بلاء حسنا في نشر الدعوة العباسية ، وكان من جراء ذلك أن عينه السفاح وزيرا له .
· وفي عهد المهدي ( والد الرشيد ) غدا يحيى البرمكي أســــــتاذا للرشيد ومربيا له.
· ثم إن الهادي ( أخا الرشيد ) فكر بخلع أخيه من ولا ية العهد ليولي ابنه ، ولكن يحيى البرمكي ثناه عن عزمه ، لذلك قلده الرشيد الوزارة ، وأطلق يده قائلا :
" يا أبت .. أنت أجلستني هذا المجلس ببركة رأيك وحسن تدبيرك
وقد قلدتك أمر الرعية ، وأخرجته من عنقي إليــــك ، فاحكم بما
ترى من الصواب ، واستعمل من شئت ، واعزل من رأيت فإني غير ناظر معك في شيء " .
· ولم يكتف الرشيد بذلك بل قرب إليه أبناء يحيى الأربعة ، وهم :
ــ الفضل ( شقيق الرشيد من الرضاعة : أرضعته الخيزران ) .
ــ جعفر ( وكان أكثر إخوته قربا من الرشيد ، فهو حاجبه ونديمه )
ــ موسى ( وكان من أبرز قادته العسكريين ) .
ــ محمــد ( وهذا لا نعرف عنه شيئا ) .
· والشيء الذي يذكر هنا أن البرامكة في عهد الرشــــــــــيد تقلدوا أعلى المناصب ، وحصلواعلى أسنى المراتب ، حتى إن الناس أخذوا يقصـــــــدونهم لحل مشكلاتهم
كما كان الشعراء يمدحـــونهم لينالوا عطاءهم ، وبلغ الأمر بجعفر البرمكي أن كان
مديرا لقصر الرشيد ، وكان يشــــــركه في النظر في المظالم ، وكان حامل أختامه
ومديرا لدار الضرب ولديوان البريد ، وكان الرشـــــــــيد لا ينقض له أمرا أبرمه .
وقد نعم البرامكة بهذا قرابة 17 سنة ( من سنة 170 ـــ 187 هــ ) .
· ثم إن الرشيد غضب عليهم ، فاعتقلهم ، ومزق شملهم ، وأباد غضراءهم ، وصادر أملاكهم وأموالهم ، وطاردهم حتى استأصل شأفتهم .
· أما سبب غضب الرشيد عليهم ففيه خلاف :
(1) فبعض المؤرخين يرى أن السبب اقتصادي ، ذلك أن البرامــكة بنوا
القصور ، وامتلكوا الضياع ، وتقلبوا في النعيم ، وصاروا يتحكمون
في شؤون الدولة ، حتى إن الخليفة نفس أخذ يحسدهم على ما هم فيه
(2) وبعضهم يرى أن السبب هو إقدام جعفر البرمكي على الزواج ســرا
بأخت الرشيد : ( العباسة / ميمونة ) .
(3) وبعضهم ذهب إلى أن الرشيد خاف من تصاعد نفوذ الفرس بعد أن
كان العرب قد أخملوهم .
· أما السبب المباشر لنكبة البرامكة فهو أن جعفرا البرمكي كان قد أطلق سراح
يحيى بن عبد الله العلوي الثائر دون علم الرشيد ، لذلك عمد الرشيد إلى صلبه
على أحد أبواب بغداد كي يكون عبرة ، ولم يكتف بالانتقام من جعفر حتى أمر باعتقال أبيه ( يحيى) وأخويه ( الفضل + موسى ) ، أما أخوه الثالث (محمد)
فقد ظل حرا طليقا لعدم ثبوت تهمة عليه .
ب ــ قضية الخلافــة
كان الرشيد يخشى أن يثور خلاف ــ بعد وفاته ــ على الخلافة بين أبنائه ، لذلك كتب وصية جاء فيها أن الخلافة من بعده لابنه الأمين ثم لابنه المأمون ، ثم لابنه المؤتمن ، وكتب بذلك عهدا
أشهد عليه كبار بني هاشم والقضاة والفقهاء ، وأودعه الكعبة ، وفي نهاية عهده عندما مرض ب ( طوس ) جمع أقرباءه وأهله ، وأوصاهم باجتماع الكلمة ، وقال لهم : " انظروا محمــدا الأمين
وعبد الله المأمون ، فمن بغى منهما على صاحبه فردوه عن بغيه ، وقبـّحـوا له بغيه ونكثـه " .
جـ ــ أخلاقيات الرشيـد
هنالك تناقض شديد في الأخبار المتعلقة بالرشيد ، ففي كتب من طراز " البداية والنهايـــة " لابن كثير أو " مروج الذهب " للمسعودي أو " العقد الفريد " لابن عبد ربه أو " تاريخ الخلفاء " للسيوطي نجد صورة رائعة للرشيد ، فهو رصـــين تقي ورع .. على حيــــن نجد في كتب من طراز " الأغاني " للأصفهــــاني أو كتاب " ألف ليلة وليلة " صــــــــورة مختلفة كل الاختلاف فالرشيد يبدو زير نساء مدمن خمر ... وقد شعر ابن خلدون بمثل هذا التناقض ، فقال :
" و من الحكايات المدخولة للمؤرخين ما ينقلونه في سـبب
نكبة الرشيد للبرامكة من قصة العباسة أخته مع جعفر بن
يحيى بن خالد مولاه وأنه لكلفه بمكانهما من معاقــــــرته
إياهما الخمـــر أذن لهما في عقد النــكــاح ( دون الخلوة )
حرصا على اجتماعهما في مجلســــه ، وأن العباســــــــة
تحيلت عليه في التماس الخلوة به لما شـــــــغفها من حبـه
حتى واقعها ، زعموا في حالة ســــــــــــكر ، فحملت ..
وهيهات ذلك من منصب العباســــــــــة في دينها وأبويــها
وجلالها ابنة خليفة ، أخت خليفة محفوفـــة بالملك العزيــز
والخلافة النبوية " [ المقدمة 119 ]
حتى إن ابن خلدون يرفض فكرة أن الرشــــــــــيد كان يشرب الخمرة المصنوعة من العنب :
" كان الرشيد يشرب نبيذ التمر على مذهب أهل العـــراق
وفتاويهم فيها معروفة ، وأما الخمر الصرف فلا ســــبيل
إلى اتهامه بها ، فلم يكن الرجل يواقع محرّما ولا كان من
أهل الكبائر عند أهل الملة " [ المقدمة 235 ]
و نحن نرى ــ مع ابن خلدون ــ أن رجلا يحج عاما ويغزو عاما ، ويحدّث عن رسول الله (ص)
ويتصدّق كل يوم بألف درهم من حر ماله ، ويصلّي كل يوم مئة ركعة ، ويجالس الزهـــــــاد من طراز الفضيل بن عياض ، ويبكي إذا ســــــــمع المواعظ ، ويحفر قبره قبل الموت .. لا يعقل أن يكون إلا مثلا في الأخلاق والشرف ، وصدق من قال فيه :
فمن يطلب لقــاءك أو يـرده فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمرّ و في زمن الترفّه فوق كـور
نصوص تتعلق بالرشيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· زبيدة تعاتب زوجها الرشيد على سماحه لجعفر البرمكي بالاجتماع بالعباسة :
" دخل الرشيدعلى زبيدة ، فقال : أرأيت ما عاملني به جعفر وما ارتكبه من هتك
ســـــتري وتنكيس رأسي ، وفضحي بين العرب والعجم ؟ فقالت له معاتبة : هذه
شهوتك وإرادتك ، عمدت إلى شاب جميل الوجه ، حسن الثياب ، طيب الرائـــحة
جبار في نفسه ... أدخلته على ابنة خليفة من خلفاء الله ، وهي أحسن منه وجــــها
وأنظف منه ثوبا ، وأطيب منه رائحة ، لكنها لم تر رجلا قط غيره ؟!.. فهذا جزاء
من جمع بين النار والحطب " .
· رسـألة يحيى البرمكي من السجن إلى الرشـــيد :
" بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى أمير المؤمنين ونسل المهديين وإمام المسلمين
وخليفة رسول الله ، من عبد أسلمته ذنوبه ، وأثقلته عيوبه ، وخذله شقيقه ، ورفضه
صديقه ، وخانه الزمان ، وأناخ عليه الخذلان ، ونزل به الحدثان ، فصار إلى الضيق بعد السعة ، وعالج الموت بعد الدعة ، وشرب كأس الموت مترعة ، وافترش السخط بعد الرضا ، واكتحل السهد بعد الكرى ، فنهاره فكر ، ونومه سهر ، وساعته شهر ، وليلته دهر ، وقد عاين الموت مرارا ، وشارف الهلاك جهارا .....
فاذكر يا أمير المؤمنين خدمتي ، وارحم ضعفي و وهن قوتي ، و هب لي رضاك ، فمن مثلي الزلل ، و من مثلك الإقالة ، ولست أعتذر ، ولكني أقـرّ ، وقد رجوت أن أفوز برضاك ؛ فتقبّل عذري وصدق نيتي و ظاهر طاعتي
قل للخليفة ذي الصـــنا ئع والعطايــــا الفاشية
وابن الخلائف من قريـ ش والملوك العـاليـــة
إن البرامكة الذيــــــــــ ـن رموا لديك بداهيــة
عمتهم لك ســــــــخطة لم تبــــــق منهم باقيــة
فكأنــــــهم ممــا بهـــم أعجـاز نخــل خـاوية
صفر الوجوه عليهــــم خلع المذلّـــة باديـــــة
بعد الإمـــارة والــــوزا رة والأمــور السامية
أضــحوا وجلّ منـــاهم منك الرضـا والعافية
يا من يريــد لي الردى يكفيك ، ويحك،ما بيه
يكفيــك أني مســــــتبا ح عترتـي ونســائيه
يكفيك ما أبصـــــرتــه ذلي و ذل مكانيــــــه
فلقد رأيت الموت من قبل الممـات علانيــه
من لي وقد غلب الـزما ن على جميع رجاليه
ياعطفة الملك الرضـا عودي علينـا ثانيـــه
فلما وقف الرشيد على الرقعة ، كتب على ظهرهـا هذه الأبيات :
يا آل برمــــــــك إنكــم كنتم ملوكا عاتيــــه
فبغيتم وطغيتــــــــــــم وكفرتــم نعمـائيـــه
هذي عقوبة من عصى من فوقه و عصانيه
ثم أردف الأبيات بقوله :
" بسم الله الرحمن الرحيم : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة
يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ، فكفرت بأنعم الله ، فأذاقها الله لباس
الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " .
أقــوال في الرشــيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· كان يتصدّق من صلب ماله في كل يوم بألف درهم [ البداية والنهاية ـ ابن كثير 9/214]
· كان يصلي في كل يوم مئة ركعة تطوعا إلى أن فارق الدنيا [ البداية والنهاية 9/214]
· إذا سمع موعظة بكى حتى يبل الثرى [ البداية والتهاية 9/215]
· روى الحديث عن أبيه وجده " اتقوا النار ولوبشق تمرة " [ البداية والنهاية 9/213]
· كان يحج سنة ويغزو سنة ، يحج ماشيا من شدة تقاه [ السيوطي ـ تاريخ الخلفاء 286 ]
· إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم [ البداية والنهاية 9/ 214 ]
· قال الفضيل بن عياض " ليس موت أحد أعـــز علينا من
موت الرشـيد وإني لأدعو اللــه
أن يزيد في عمره من عمــري" [ البداية والنهاية 9/221 ]
· كان في دار الرشيد من الجواري والحظايا .. أربعة آلاف [ البداية والنهاية 9/220]
· قال الرشيد لأبي العتاهية عظني بأبيات من الشعر وأوجز ، فقال :
لا تأمن الموت في طرف ولا نفـس
ولو تمتعت بالحجاب والحــرس
واعلم بأن سهام الموت صائبـــة
لكــل مدّرع منا ومتّــــــرس
ترجو النجــاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تمشي على اليبس
ــ فخر الرشيد مغشـيا عليه .
· كان الرشيد قد أمر بحفر قبره قبل موته في الدار التي كان فيها ، فلما دنت وفاته حمل على محفة
إلى القبر، فرأى التراب ثم قال : إلى هذا تصير يابن آدم [ البداية والنهاية 9/213 ]
· كنت يوما عند الرشيد ، فدعا طباخه فقال : أعندك في الطعام لحم جزور (جمل) ؟ قال نعم......... [البدايةوالنهاية9/316 ] هلكت والله يا هارون ولم يزل يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهـر
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home