الحجّاج بن يوسف الثقفي
الحجّاج بن يوسف الثقفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. عبد الرحمن دركزللي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وُلد الحجّاج بن يوسف بمدينة الطائف شرقي مكة سنة 42 هـ ، ونشأ في أسرة متعلمة مثقفة ( كان هو وأبوه وأخوه معلمين )
ثم إنه ترك التعليـــــــم، والتحق بالجيش الأموي، وما زال يترقى في المناصب العســــكرية حتى عهد إليه الخليفة عبد الملك بن
مروان بقيادة الجيش المكلف بمحاربة عبد الله بن الزبير في مكة، وكان ابن الزبير قد ثار على الدولة الأموية، ونادى بنفسه خليفة في الحجاز والعراق ومصر. تمكن الحجاج من الانتصار على ابن الزبير سنة 73هـ لذلك قام عبد الملك بتوليته على الحجاز واليمن، فاستطاع بنجاح خلال عامين اثنين أن يوطد الأمن فيهما، ويحمل الناس على طاعة بني أمية، فما كان من عبد الملك إلا أن ولاه على العراق أيضا مكافأة له.
استطاع الحجاج خلال عشر سنوات أن ينشر الاستقرار في العراق، فقضى على الخوارج الثائرين على بني أمية، كما قام بإصلاحات إدارية وعمرانية كثيرة ، منها:
· بناؤه مدينة واسط واتخاذها عاصمة له ( لأن الكوفة كانت شيعة لآل علي) و(لأن البصرة كانت شيعة لبني الزبير).
· مسحه للعراق ( قاسه وعين مواقعه وقيد الأملاك فيه).
· إصلاحه لشأن الزراعة (حفره للأقنية التي كانت قد ُطمرت خلال المعارك والحروب. وإقامته السدود للري،
· توحيده للمكاييل والموازين.
· تحويله للكتابة في الدواوين من الفهلوية( الفارسية القديمة ) إلى اللغة العربية.
· سكه العملة باللغة العربية.
· تنظيمه للخدمة العسكرية ( جعلها إجبارية).
· فتحه لبعض الأقاليم الواقعة في الشرق مثل بلخ وطُخارستان وفرغانة والسند ، وقد امتدت الفتوح إلى حدود الصين.
بعث يابن أخيه محمد بن القاسم الثقفي لفتح السند، كما شجع قتيبة بن مسلم على فتح الصين " أيكما سبق إليها فهو
عامل عليها )
· أمره بنقط القرآن وتجزئته( كلف بذلك الحسن البصري ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم الليثي ).
· دعوته الناس إلى اعتماد مصحف عثمان.
· قراءته القرآن في كل ليلة.
· قيامه ببعض الإصلاحات الاجتماعية، مثل: منع النواح على الموتى و ومنع التبول والتغوط في الأماكن العامة وحظره شرب الخمر، وقتل الكلاب الضالة.
ومن الجدير بالذكر ههنا أن الحجاج كان سياسيا محنكا وإداريا حازما، واسع المعرفة والدراية بالناس، بعيد النظر في الأمور وخطيبا مفوها، امتاز بجزالة اللفظ ومتانة التركيب ، ويمتاز أسلوبه بقصر الجمل واستخدام الموازنة، أما السجع والصنعة فقد كانا قليلين في كلامه، بخلاف الاقتباس من القرآن الكريم فإنه كثير في أقواله. قال عنه أبو عمرو بن العلاء : " ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري".
توفي الحجاج عندما كانت الفتوح تتسع وتتعاظم، يقال: إنه أصيب بمرض القرحة / سرطان المعدة ( وقعت الأُكـلة في جوفه).
ولم يخلّف لأهله إلا سيفا ومصحفا وعشرة دراهم من الفضة.
اختلف الناس في أمر الحجاج اختلافا كبيرا، فابن خلدون يعده من أعظم الرجال، ويذكره في الوزراء الذين عظمت آثارهم،
وعفت على الملوك أخبارهم.
ولعل من أبرز خصاله الحزم والشدة ، ففي رمضان من سنة 75 هـ وصل الحجاج إلى العراق ، فدخل المسجد، ورقي المنبر
يروي لنا ابن عمير الليثي الخبر :
" بينا نحن في المســـــــجد الجامع بالكوفة، وأهل الكوفة يومئذ ذوو حال حســـنة
يخرج الناس منهم في العشرة والعشرين من مواليه.. إذ أتى آت فقال:هذا الحجاج قد قدم أميرا على العراق، فإذا به قد دخل المسجد مُعتمّا بعمامة قد غطى بها أكثر وجهه متقلدا سيفا، متنكبا قوسا، يؤم المنبر، فقام الناس نحوه حتى صعد المنبر، ثم مكث ساعة لا يتكلم، فقال بعض الناس لبعض: قبّح الله بني أمية ؛ إذ يستعملون مثل هذا على العراق.. ثم إن رجلا اسمه عُمير بن ضابىءالبُرجُمي قال للناس: ألا أحصبه لكم؟ فقالوا له : تريث حتى نرى ما ستتمخض عنه الأمور. فلما رأى الحجاج عيون الناس رامقة له حسر اللثام، ونهض فقال:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى اضع العمامة تعرفوني
يا أهل الكوفة إني لأحمل الشر بحمله، وأحذوه بنعله، وأجزيه بمثله، وإني لأرى أبصارا طامحة، وأعناقا متطاولة، ورؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى تترقرق.
هذا أوان الشد فاشتدي زيم قد لفها الليل بســواق حُطم
ليس براعي إبل ولا غنـــــم ولا بجزار على ظهر وضم
قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم ؛ فجدّوا
والقوس فيهـــــــا وتر عُردّ مثلُ ذراع البكر أو أشـــــدّ
لا بد مما ليس منه بُدّ
إني والله ــ يا أهل العراق، ومعدن الشقاق والنفاق، ومساوىء الأخلاق، ما يقعقع لي بالشنان، ولا يغمز جانبي كتغماز التين. لقد فُرزت عن ذكاء، وفتّشت عن تجربة، وجريت إلى الغاية القصوى، وإن أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، نثر كنانته بين يديه، فعجم عيدانها، فوجدني أصلبها مكسرا، فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتن، واضطجعتم في مراقد الضلال، وسننتم سنن الغي، أما والله لألحونكم لحو العصا، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، فإنكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.. وإني ــ والله ــ لا أعد إلا وفيت، ولا أهم إلا أمضيت، ولا أخلق إلا فريت، فإياي وهذه الشفعاء، والزرافات والجماعات، وقالا وقيلا. أما والله لتستقيمنّ على طريق الحق أو لأدعنّ لكل رجل منكم شغلا في جسده. وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجّهكم لمحاربة عدوكم، مع المهلب ابن أبي صفرة، وإني ــ أقسم بالله ــ لا أجد رجلا تخلف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا سفكت دمه، وأنهبت ماله، وهدمت داره"
واتفق أن تأخر عن الموعد الذي ضربه الحجاج، رجل شيخ اسمه عمير بن ضابىء البرجمي، ثم جاء بعد ثلاثة أيام يبدي عذرا من ضعفه، فأراد الحجاج أول الأمر أن يعفو عنه، ولكن الناس ذكروا له أن هذا الرجل دخل على عثمان بن عفان مقتولا، فوطىء بطنه، وعندئذ أمر الحجاج بقتله، وقال له: إن في قتك صلاح المسلمين. وأمر مناديا فنادى: ألا إن عميرة بن ضابىء أتانا بعد ثلاثة وكان قد سمع النداء، فامرنا بقتله، ألا إن الذمة قد برئت من رجل رأيناه بعد هذا البعث متخلفا.
وبعد أن استقر الحجاج في الكوفة وأرهب أهلها انتقل إلى البصرة، وتوعد أهلها، وهددهم أيضا فقال:
أيها الناس من أعياه داؤه فعندي دواؤه، ومن استطال أجله فعلي أن أعجله، ومن ثقل عليه رأسه وضعت عنه ثقله، ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه، إن للشيطان طيفا، وللسلطان سيفا، فمن سقمت سريرته صحت عقوبته، ومن وضعه ذنبه رفعه صلبه، ومن لم تسعه العافية لم تضق عنه الهلكة.
إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذّر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو، إنما أفسدكم ترنيق ولاتكم، ومن استرخى لببه ساء أدبه، إن الحزم والعزم سلباني سوطي، وابدلاني به سيفي، فقائمه في يدي، ونجاده في عنقي، وذبابه قلادة لمن عصاني، والله لا آمر أحدكم ان يخرج من باب من أبواب المسجد ، فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه"
قال ابن كثير عنه : " إن من أعظم ما نُقم على الحجاج وصح من أفعاله سـفكه الدماء، وكفى به عقوبة عند الله، وقد كان
حريصا على الجهاد، وكانت فيه سماحة في إعطاء المال لأهل القرآن ".
أما حبه لسفك الدماء فقد فسرته العامة تفسيرا خرافيا " ذكر أنه ولد ولا مخرج لهن وأنه لم يرتضع أياما حتى سقوه دم جدي أياما .. ولطخ به وجهه فارتضع، زكانت فيه شهامة وحب لسفك الدماء لأنه أول ما ارتضع ذلك الدم الذي لطخ به وجهه".
وفي كتاب" العقد الفريد لابن عبد ربه 5/48 مجموعة أقوال تنم على كراهية الناس للحجاج سنورد بعضها لتكون بمنزلة
الصورة المكملة للمشهد :
1ـ قال كثير بن هشام عن جعفر بن برقان، قال سألت ميمون بن مهران، فقلت : كيف ترى في الصلاة خلف رجل يذكر أنه
خارجي؟ فقال: إنك لا تصلي له، وإنما تصلي لله، قد كنا نصلي خلف الحجاج وهو حروري أزرقي. قال: فنظرت إليه، فقال:
أتدري ما الحروري الأزرقي؟ هو الذي إن خالفت رأيه سماك كافرا، واستحل دمك، وكان الحجاج كذلك.
2ـ قال أبو أمية عن أبي مسهر قال: حدثنا هشام بن يحيى عن أبيه، قال عمر بن عبد العزيز : " لو جاءت كل أمة بمنافقيها
وجئنا نحن بالحجاج لفضلناهم".
3ـ حلف رجل بطلاق امرأته: إن الحجاج في النار، فأتى امرأته ، فمنعته نفسها، فسأل الحسن بن أبي الحسن البصري،فقال:
" لا عليك يابن أخي؛ فإنه إن لم يكن الحجاج في النار، فما يضيرك أن تكون ــ مع امرأتك ــ على زنى؟؟ "
4ـ أبو أمية عن إسحق بن هشام عن عثمان بن عبد الرحمن الجمحي عن علي بن زيد قال: " لما مات الحجاج أتيت الحسن
فاخبرته، فخرّ ساجدا".
5ـ قال يزيد الرقاشي عند الحسن: " إني لأرجو للحجاج " قال الحسن: " إني لأرجو أن يُخلف الله رجاءك".
6ـ قال عبد الملك بن مروان للحجاج: " ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه، فصف لي عيوبك " قال الحجاج : أعفني
يا أمير المؤمنين. قال : " لابد أن تقول. قال : أنا لجوج حسود حقود. قال: مافي إبليس شر من هذا"
7ـ قال ميمون بن مهران عن الأجلح: قلت للشعبي: يزعم الناس أن الحجاج مؤمن. قال : بالجبت والطاغوت.
8 ـ اختلف قوم في الحجاج، فقال واحد منهم: بمن ترضون؟ قالوا : بمجاهد. فأتوه، فقالوا : إنا قد اختلفنا في الحجاج. فقال:
أجئتم تسألونني عن الشيخ الكافر؟
9 ـ حدّث الأوزاعي. قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان الحجاج بن يوسف ينقض عرا الإسلام عروة عروة.
10 ـ ومما كفّرت به العلماء الحجاج قوله وقد رأى الناس يطوفون بقبر رسول الله (ص) ومنبره :" إتما يطوفون بأعواد و رمة"
11ـ ولما بلغ عمر بن عبد العزيز موت الحجاج خرّ ساجدا.
12 ـ قال الأصمعي: " عُرضت السجون ــ بعد الحجاج ــ فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا لم يجب على واحد منهم قتل ولا صلب.
فأطلق سراحهم ، ووُ جد ــ فيمن أُطلقوا ــ أعرابي يبول في أصل مدينة واسط وهو يقول:
إذا نحن جاوزنا مدينة واسط خرينا وبلنا لا نخاف عقابا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· الحجاج بن يوسف ــ إبراهيم الكيلاني ــ دمشق 1940
· الحجاج بن يوسف الثقفي ــ عمر فروخ ــ بيروت 1950
· الحجاج بن يوسف ــ خلدون الكناني ــ دمشق 1946
· سيف بني مروان ــ عبد الرزاق حميدة ــ مصر 1947
· الحجاج بن يوسف حاكم العراقين ــ عمر أبو النصر ــ بيروت 1938
· جبّار بني ثقيق ــ رياض محمود رويحة ــ بيروت 1963
· الحجاج حياته وخطابته ــ صافي حسين ــ القاهرة ( بلا تاريخ).
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home